قاعدة النظر في المآل وأثرها في مواجهة الطبيب للقضايا الطبية المعاصرة: دراسة تقعيدية فقهية مقاصدية مقارنة بالقانون الجزائري

Résumé: تعتبر صحة الفرد في مقدمة اهتمامات الإنسان على مدار التاريخ ولأجل هذا كان تصرف المريض في طلب الشفاء وتصرف الطبيب في تقديم العلاج مبنيا على حسن الظنون، وإنما اعتمد عليها لأن الغالب صدقها عند قيام أسبابها، فالعلماء ومنهم الأطباء يشتغلون بالعلوم على ظن أنهم ينجحون ويتميزون، والمرضى يتداوون لعلهم يشفون والطب كالشرع وضع لجلب مصالح السلامة والعافية ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام. وغاية الطب وهو ملاك أمر الطبيب -: أن يجعل علاجه وتدبيره دائرا على ستة أركان: حفظ الصحة الموجودة، ورد الصحة المفقودة بحسب الامكان، وإزالة العلة أو تقليلها بحسب الامكان، واحتمال أدنى المفسدتين لإزالة أعظمهما، وتفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعظمهما. فعلى هذه الأصول الستة مدار العلاج. وكل طبيب لا تكون هذه أخيته التي يرجع إليها، فليس بطبيب، والتلطف بالمريض كالتلطف بالصبي. والأخلاقيات الطبية عبارة يشار بها إلى مبادئ أساسية ودورها شرح القواعد التي تلتزم بها المهن الطبية وهي تضبط سلوكا يرمي إلى تحديد كل ما على الأطباء اتباعه سواء فيما يتعلق بمعاملة المرضى أو فيما يقومون به من عمل طبي بمختلف أنواعه، فالطبيب يجب له التشريف بحسب مرتبته من صناعة الطب من الناس كافة، ولكن تشريفهم من الملوك وأفاضل الناس ينبغي أن يكون أكثر. ولأن الكثير من قضايا الطب هي قضايا بسبب حداثتها وتعقيداتها لا يمكن أن يتصدى لها بفتاوى من خلال اجتهادات فردية فحسب، بل تحتاج إلى اجتهادات اجتماعية يشد فيها الفقهاء المجتهدون والمفتون العاملون بأزر الأطباء من خلال المجامع الفقهية والمؤتمرات والندوات والحلقات الفقهية وورش العمل، فهذه قضايا مستجدة في حياة الناس يندرج تحتها ما يتغير من أحوال الناس وأزمانهم وأماكنهم، وقد تعلق بهذه الأحوال الجديدة أحكام لم تكن سارية في السابق لعدم وجود متعلقاتها، الأمر الذي استلزم النظر في تلك المستجدات والبحث عما يلائمها من أحكام وفق ضوابط الشرع وأصوله، وما من شك في أن مراعاة المصالح الشرعية والموازنة فيما بينها وفيما بين المفاسد والنظر في مآلات الأفعال هي من مظان الكشف عن تلك الأحكام الصادرة عن الله تعالى الحادثة في تعلقها بسبب أحوال الناس وما يتغير من شؤونهم، إذ يتعين على المجتهد والمفتي النظر إلى مآلات الأفعال ونتائج التصرفات قبل الممارسة والتأمل في نتائج الحكم وبيان المسألة قبل المبادرة للوصول لنتيجة الاجتهاد. ولا شك في أن هذه النظرة المآلية كما يحتاجها المجتهد والمفتي والقاضي، فإن الطبيب أحوج ما يكون إليها وهو يقرر بوصفه أهل التخصص. والإشكالية محل العرض هي البحث في بعض القضايا الطبية المعاصرة عمت بها البلوى واستعجمت فيها الفتوى لكونها تعلقت بحرمة الكيان البشري ومعصومية الجسد من جهة، وبضبط معايير التصرف فيه من جهة أخرى، وبسلطة الطبيب والفريق الطبي التقديرية في إصدار القرارات الحاسمة لأي إجراء طبي أو جراحي من جهة ثالثة. فالنظر إلى مآلات الأفعال في عموم التصرفات والممارسات الطبية على وجه الخصوص مقصد بالغ الأهمية في الشريعة الإسلامية لأنها تعلقت بحرمة الكيان البشري وبمعصومية جسده والعمل على حفظ الصحة موجودة واستردادها زائلة لأن جميع الأحكام تتأسس على النظر المصلحي في مآل العباد والموازنة بين مصالح ومفاسد التصرفات، فالمفتي حين يجتهد ويصدر الحكم الشرعي عليه أن يقدر عواقب حكمه وفتواه.

Publié dans la revue: