الأنترنيت وإشكالية الهوية الثقافية في الجزائر

Résumé: شكل التطور المطرد والمتسارع لتكنولوجيا الاتصال سمة العصر الراهن الذي بانت تطبعه الآنية وسرعة الوصول إلى المعلومة فضلا عن سمة الإتاحة ومثلت الانترنيت قمة هذا التطور بما تحمله من مزايا إضافية وإمكانات تواصلية غير محدودة فتحت المجال لأشكال غير مسبوقة من التواصل الاجتماعي والجماهيري. إن هذا التحول فتح المجال لتغيرات مهمة في تركيبة المجتمعات وأفضى في النهاية إلى تراتبيات اقتصادية، سياسية وثقافية جعل الكثير من الباحثين ينقسمون حيالها بين متشائم من آثارها السلبية ومتفائل بانعكاساتها الإيجابية، وتعد الثقافة من أهم القطاعات التي طالتها هذه التحولات سواء في أشكال الإنتاج وإعادة الإنتاج أو البث والنشر ونطاق التداول، ولهذا طرحت عدة تساؤلات حول آثار الانترنيت على مصير الهويات الثقافية للمجتمعات، وفي هذا الإطار جاءت دراستنا هذه التبحث في هذه الآثار على الهوية الثقافية في الجزائر من خلال دراسة ميدانية على عينة من الطلبة الجامعيين. ولمعالجة الإشكال المطروح قسمنا التساؤل الرئيسي إلى جملة من الأسئلة الفرعية بحيث يهتم التساؤل الأول بالكشف عن عادات وأنماط استخدام الشبكة، في حين تبحث باقي التساؤلات في الآثار الممكنة لهذه الأخيرة على التمسك باللغة العربية الالتزام بمبادئ الدين الإسلامي، الارتباط بالوطن الجزائر، مراعية الاختلافات التي من الممكن أن تكون بين المبحوثين حسب جنسهم وتخصصاتهم. إن اختيارنا لهذا الموضوع لم يكن عشوائيا بل نتيجة لعدة أسباب أهمها أهمية الموضوع التي تتبع من أهمية شبكة الانترنيت ودورها الحالي في التنشئة الثقافية ومن ثمة تقييم آثارها المحتملة على الهوية في شقها الثقافي، كما أن حداثة الموضوع تعد سببا أساسيا في اختباره إذ تنطلق هذه الحداثة من حداثة شبكة الانترنيت واستغلالها في نشر الثقافة والقيم الثقافية، وللتعمق في دراسة للموضوع كانت أهداف دراستنا كالآتي: الدراسة المتعمقة لظاهرة الانترنيت ثم مساءلة مفهوم الهوية الثقافية للربط في الأخير بينهما. توضيح عادات وأنماط استخدام الشبكة فاستجلاء التصورات المختلفة التي بات يحملها مستخدمي الانترنيت عن اللغة العربية، ثم تقصي انعكاسات هذا الاستخدام على الالتزام بمبادئ الدين الإسلامي والوقوف على مدى أثر الشبكة على الارتباط بالوطن . لتكون الأهداف الأخيرة متعلقة بإثراء البحوث العلمية في هذا الميدان وفتح المجال أمام دراسات لاحقة تعطي عناصر أو أبعاد أخرى متعلقة بالهوية الثقافية. ولتحقيق هذه الأهداف اعتمدنا في إجراء هذه الدراسة الوصفية على منهج المسح الذي يروم التعرف على الظاهرة المدروسة من خلال العناصر المكونة لها والعلاقات السائدة داخلها في حيزها الطبيعي وظروفها الحالية، ونظرا لشساعة مجتمع البحث أجرينا الدراسة على عينة عنقودية مكونة من 580 مفردة من الطلبة الجامعيين مستخدمين في جمع المعلومات أداة الاستبيان التي قسمناها إلى خمس محاور أساسية: يتضمن المحور الأول البيانات الشخصية، ويتناول المحور الثاني عادات وأنماط استخدام عينة الدراسة لشبكة الانترنيت بينما يتقصى المحور الثالث أثر الشبكة على التمسك باللغة العربية، ويضم المحور الرابع أسئلة متعلقة بأثر استخدام الانترنيت على الالتزام بمبادئ الدين الإسلامي، فيما يجيب آخر محور على أثر هذا الاستخدام على الارتباط بالوطن. وبعد جمع المعلومات ميدانيا وتبويبها وتحليلها تم تفسيرها توصلنا إلى جملة من النتائج أهمها: تعدد طرق استخدام الشبكة وكذا طول مدة ومعدل هذا الاستخدام الذي يحقق منه المبحوثون حاجات متنوعة ويشبعون من خلاله رغبات متعددة. . مساهمة الانترنيت الإيجابية في دعم اللغة العربية من خلال تعزيز التمسك بها. . لم تؤثر الانترنيت سلبا على الالتزام بمبادئ الدين الإسلامي بل بالعكس وتمت المعرفة بالكثير من حيثياته. . أدى استخدام الانترنيت لإعادة بناء الروابط الاجتماعية والوطنية وإيجاد حس عام بالهوية الوطنية المشتركة من خلال تحتين الإحساس بالانتماء والالتزام الوطني. وتجدر الإشارة أن استخدام الانترنيت لم يخل من بعض الآثار السلبية الناجمة عن سوء الاستخدام وطول مدته وزيادة معدلاته مع العلم أن الآثار السابقة تفاوتت بين الذكور والإناث وبين الطلبة حسب تخصصاتهم ما عدا فيما يخص الدين الذي كانت أغلب الآثار الخاصة به متقاربة بين الجنسين وبين الطلبة مهما تعددت تخصصاتهم.

Publié dans la revue: