الصّلح والوساطة في الأحوال الشّخصيّة: دراسة فقهية قانونية مقارنة

Résumé: تطرّق هذا البحث لموضوع ذي أهمّية بالغة يتّسم بالأصالة والمعاصرة في الآن ذاته، حيث سلّط الضّوء على موضوع الصّلح والوساطة في مادّة الأحوال الشّخصيّة، وذلك من خلال بيان معنى هذه المادّة، وتحديد نطاقها ومجالاتها وطبيعة قضاياها، ثمّ تحديد معنى الصّلح والوساطة وبيان تطبيقاتهما من خلالها؛ لتبرز أهمّية هذه الدّراسة جليّة من خلال ما تبتدعه من حلول ومخارج لإشكالات كثيرة تتعلَّق بمسائل المادّة محلّ البحث، وما تقدّمه من ضمانات لحفظ الحقوق المرتبطة بتلك المسائل والّتي كانت ستتبدّد لا محالة نظرا لطبيعتها وتشعّب قضاياها وتعذّر إثباتها. ولقد جاءت هذه الدّراسة مقارنة بين الشّريعة والقانون، حيث توقّفت عند فجوة علميّة جديرة بالوقوف عندها، فجمعت بين مفهومي الوساطة والصّلح في مادّة الأحوال الشّخصيّة باعتبارهما مصطلحا مركّبا من وسيلة (الوساطة) وغاية (الصّلح) لتنتهي إلى تحديد معنى منضبط لهذا المركب "الصّلح بالوساطة"، واعتباره عملا توفيقيًّا تصالحيًّا ذا طابع عقدي، ثمّ تكييفه في مادّة الأحوال الشّخصيّة بأنّه عقد خاصّ ذو طبيعة خاصّة، مختلفٌ عن غيره من العقود بأركانه الفريدة وخصائصه المتميّزة الّتي يستمدّها من مادّة الأحوال الشّخصيّة، ومن طبيعة عقد الصّلح، وخصائص الوساطة. ومن ثمّة تطرّق البحث لمسائل الأحوال الشّخصيّة القابلة لأن تكون محلاّ لهذا العقد الخاصّ، وبيّن ما يمكن أن يقوم بشأن تلك المسائل من منازعات ومدى إمكانية تسويتها عن طريق هذا النّظام المتميّز، لتظهر تطبيقات هذا النّظام في تلك المسائل ضمن دعاوى النّكاح متمثّلة في دعاوى إنشاء الرّابطة الزّوجية والّتي تضمّنت دعاوى الخطبة، والصّداق، والنّفقة الزّوجية، ودعاوى التّحكيم، وضمن دعاوى فكّ الرابطة الزّوجية متمثّلة في دعاوى الطّلاق بمختلف صوره، وفي دعاوى الميراث والوصيّة. ومن خلال هذه المسائل عالج البحث في بادئ الأمر المنازعات المترتّبة عن العدول عن الخطبة، حيث حسم هذه المسألة وانتهى إلى أنّ مجرّد العدول لا يُرتّب أيّ مسؤولية عن الطّرف الّذي كان العدول من جهته، إنّما تثبت المسؤولية ويجب التّعويض على المتسبب في العدول إذا ترتّب عن عدوله ضرر مادّي أو معنوي للطّرف الآخر، ثمّ بيّن أنّ مسألة إثبات الضّرر المعنوي في دعاوى العدول عن الخطبة أمر عسير يتعذّر أو يستحيل إثباته لتعلّقه بأمر نفسي باطني، ليخلص البحث إلى أنّ نظام الصّلح عن طريق الوساطة جدير بحلّ هذا الإشكال وتسوية مثل هذه المنازعات بما يضمن لأصحاب الحقوق حقوقهم؛ وهو ما راعاه فقهاء الشَّريعة الإسلامية وأغفلته التّشريعات الوضعية. ثمّ تطرّق البحث إلى مسألة أخرى تُثار بشدّة في دعاوى النّكاح ويكثر التّنازع بشأنها؛ وهي مسألة المنازعات المالية بين الزّوجين، والّتي تتمثّل أساسا في التّنازع عند الاختلاف حول الصّداق والنّفقة الزّوجية، حيث أحاط البحث بالحالات الّتي يقوم فيها الاختلاف بشأنهما، وبيّن طرق تسوية تلك الإشكالات في الفقه والقانون، ثمّ انتهى إلى اختصار الطّريق ووضع تلك الحلول الفقهية والقانونية جانبا، بتقديم تسوية ما يقوم بشأنهما من منازعات عن طريق الصّلح والوساطة إليه؛ نظرا لخصوصيّة العلاقة بين الطرفين في هذا النوع من المنازعات؛ ولأنّ في تسوية تلك المنازعات عن طريق الصّلح والوساطة ضمانة أساسية لاستمرار علاقات الودّ بين طرفي النّزاع. ثمّ عرّج البحث على نظام التّحكيم بين الزّوجين، حيث انتهى إلى اعتبار التحكيم في مادّة الأحوال الشخصية بأنّه وساطة بكّل معانيها، وأنّ الحكمين فيها لا يتّصفان بصفة الحاكمية وليس لهما سلطة التّفريق بين الزّوجين دون رضاهما، وأنّ الدّور المنوط بهما هو ذات الدّور المنوط بالوسيط الأسري، وبذلك فإنّ مهمّتهما مختلفة عن التّحكيم بمعناه الفني-والّذي يملك فيه الحكمان سلطة اتّخاذ القرار من غير رضا المتنازعين-. ثم توقّف البحث عند تطبيقات الصّلح والوساطة في دعاوى الطلاق والتطليق والخلع، حيث عرض أبرز الحلول الشّرعية والقانونية لتسوية هذه الدّعاوى، لينتهي مرّة أخرى إلى تفضيل الحلّ الودّي وأولويّة تقديم الصّلح والوساطة إليه معللاّ ذلك عند كل صورة من تلكم الصّور، ومبرزا سلامة منهج الشّريعة الإسلامية في حمايته للأسرة من خلال نظام الطّلاق الإسلامي الّذي اتّسم بالإحاطة والشّمول واستيعابه لكل سبل الإصلاح، ومؤكّدا في كل مرّة على ضرورة استفادة قوانين الأحوال الشّخصيّة من هذا النّظام والّتي بان عجزها واختلال منطقها من خلال اختلال نظام الطّلاق فيها. وأخيرا عالج البحث مسألتي الميراث والوصيّة وما يقوم بشأنهما من منازعات، وما يطرحه نظام المواريث –وتلحق به الوصيّة- من إشكالات، وأنّه ليس هنالك من سبيل أو نظام لتجاوز تلك الإشكالات وتسوية ما يقوم بصددها من منازعات سوى نظام الصّلح بالوساطة متمثِّل في التّخارج باعتباره صلحا بين الورثة، ونظام الوصيّة بما تضمّنته من آليات الوساطة والإصلاح، حيث بدا أنّ نظام التّخارج يحمل صورا متعدّدة للصّلح تُمثّل في الأصل حلولا لإشكالات إرثية مستعصية يتعذّر حلّها عن طريق غيره من النّظم لتعذّر حصرها بنظام منضبط، وقد ظهر من خلال نظام الوصيّة أيضا أنّها تضمّنت مسالك ودّية لوقاية الأسرة من جملة من المنازعات، وأنّ إجازة الورثة لها في بعض الحالات بمثابة الصّلح، كما أنّ التّدخُّل بين الموصي وورثته للإصلاح بينهم بمثابة الوساطة للصّلح، لينجليَ من خلال هذين النّظامين مدى دقّة الشّريعة الإسلامية في ضبطها للعلاقات المالية الأسرية، ومدى إتقان النّظام المالي الإسلامي، والّذي يطال أموال الإنسان حال حياته وحتى بعد وفاته. بخلاف التّشريعات الوضعية الّتي أغفلت نظام التّخارج، وغاب عنها نظام الصّلح والوساطة في الوصية؛ لذلك فقد أكّد البحث على أهمّية إدراج هذين النّظامين ضمن مادّة الأحوال الشّخصيّة، وضرورة تعزيزهما بنظام الوساطة للصّلح، لما يمكن أن تضيفه الوساطة لدعمهما وتحقيق مقاصدهما باعتبارها وسيلة إصلاح وتوفيق. هذا وقد خُتِم البحث بخاتمة تضمّنت أهمّ النّتائج المتوصّل إليها ومجموعة من التّوصيات -الجديرة بالذِّكر في رأيي- والّتي من شأنها أن تفتح آفاقا هامّة وفاعلة لنظام الصّلح والوساطة في الأحوال الشّخصيّة على المستويين النّظري والتّطبيقي. أمّا النّتائج فقد أبرزت نقاط الاتّفاق والاختلاف بين الشّريعة والقانون في المسائل المُعالَجَةِ، وتمحور أكثرها حول بيان سعة وتفوق الشريعة الإسلامية على النظم الوضعية بتوسيعها لدائرة المسائل القابلة للصّلح والوساطة ضمن مادّة الأحوال الشّخصيّة، لتتّسع بذلك لكل إشكالات ومنازعات تلك المادّة، سواء ما تعلّق منها بالجوانب المادّية للإنسان أم المعنوية له؛ لهذا جاءت توصيات هذه الدّراسة -بما تحمله من مؤاخذات- موجّهة في الغالب للتّشريعات الوضعية والسّلطات التّشريعية وهياكل الدّولة بمختلف مؤسّساتها داعية إيّاها إلى ضرورة تعزيز نظام الصّلح بالوساطة في مادّة الأحوال الشّخصيّة وإثرائه نظريًّا بتأطير قانوني محكم وشامل، وعمليّا بتجنيد كل المؤسسات ذات الطّابع المدني للاضطلاع بمهمّة الإصلاح والانكباب على تسوية الخلافات والمنازعات الأسرية ونشر ثقافة الصّلح والإصلاح في الأوساط العائلية. The present study has dealt with a subject of great importance, which is both authentic and contemporary. It has shed light on the issue of reconciliation and mediation in the subject matter of civil status article, by clarifying the meaning of this article, and determine the scope and areas and the nature of its issues, and then determine the meaning of reconciliation and mediation and indicate their applications through it. The importance of this study is evident in the solutions it creates to many problems related to the issues of the material in question, and the guarantees it provides to preserve the rights associated with those issues, which would inevitably be dissipated due to their nature, complexity and unproven nature. This study is a comparison between Sharia and law, where it laid much focus at a scientific gap worthy to stand at it. And it brought together the concepts of mediation and reconciliation in the issue of civil status article as a compound term of the means (mediation) and the purpose (reconciliation) to end to determine the disciplined meaning of this compound "mediation reconciliation". It is considered a conciliatory act of a contractual nature, and then adapted in the civil status article as a special contract of a special nature, different from other contracts with its unique elements and distinctive characteristics derived from the material of personal status, and the nature of the peace contract, and the characteristics of mediation. Then, he discussed the issues of personal status that can be the subject of this special contract. And showed what disputes can arise on these issues and the extent to which they can be settled through this distinguished system, where the applications of this system in those matters were reflected in the claims of marriage in the cases of the establishment of the Association. Matrimonial cases, which included sermon, dowry, alimony, and arbitration proceedings, and in the cases of the dissolution of the matrimonial association, are represented in divorce claims in all its forms, and in inheritance and protection procedure. Through these issues, the research dealt initially with disputes arising from the renunciation of the sermon. Then, it pointed out that the issue of proving moral harm in cases of abstinence from the engagement is difficult or impossible to prove because it is related to an internal psychological matter. The research concludes that the mediation reconciliation system is worth solving this problem and resolving such disputes in a way that guarantees the rights holders their rights. This what was validate by Islamic scholars of law and denied by the positive laws. The research ,then, tackles another issue that is strongly raised in the claims of marriage and the most disputed; the issue of financial disputes between spouses. The issue is mainly the dispute over friendship and spousal alimony, where the research surrounding the cases in which they disagree, and the ways to resolve these problems in Jurisprudence and law, and then ended to shorten the road and put those doctrinal and legal solutions aside, by settling the disputes on them through reconciliation and mediation to him. Due to the specificity of the relationship between the parties in this type of disputes; and because in the settlement of those disputes reconciliation and mediation are fundamental guarantees for the continuation of friendly relations between the parties to the conflict. Then the research dealt with the system of arbitration between the spouses. It ended up considering arbitration in the civil status article as mediation in all its meanings, the judgments are not characterized by governance and have no power to distinguish between the spouses without their consent, the role entrusted to them is the role assigned to the family mediator. Their task is therefore different from arbitration in its artistic sense - in which the two rulers have the power to make decisions without the consent of the disputants. The research then laid much focus at the applications of reconciliation and mediation in the cases of divorce, divorce and dislocation. It presented the most prominent legal solutions to settle these claims, to end again on the preference for a friendly solution and the priority of providing reconciliation and mediation to him. It explains that in each of those images, and highlighting the integrity of the Islamic Sharia. The family is protected through the Islamic divorce system, which was characterized by comprehension and comprehensive understanding of all means of reform, and stressed every time the need to take advantage of personal status laws of this system, which the inability and disruption of its logic through the imbalance of the divorce system. Finally, the research dealt with the issues of inheritance and the will and the disputes concerning them, and the problems posed by the inheritance system, and that there is no way or system to overcome these problems and settle the disputes related to it only mediation through reconciliation system. It is where the graduation system appeared to carry multiple forms of reconciliation originally represent solutions to intractable legacy problems that could not be solved by other systems to be restricted to a disciplined system. It has also emerged from the commandment system that they included liquefaction Friendly to protect the family from a number of disputes, and leave heirs in some cases as a conciliation, the intervention between the testator and his heirs for reform also serves as a mediator for reconciliation. Through these two regimes, the extent to which Islamic law is strict in controlling family financial relations, and the extent of mastery of the Islamic financial system, which extends to the human money in the case of his life even after his death. In addition, the research has stressed the importance of including these systems within the subject matter of personal status, and the need to strengthen the mediation system for reconciliation, which can be added by mediation to support and achieve their purposes as a means of reform and reconciliation. The research concluded with the conclusion of the most important findings and a set of recommendations - noteworthy in my opinion - that would open important and effective prospects for the system of reconciliation and mediation in personal situations at the theoretical and practical levels. The results highlighted the points of agreement and disagreement between Sharia and law in the issues addressed. The results discussed the capacity and supremacy of Islamic law over the positive systems by extending the circle of issues fit for reconciliation and mediation within the subject of personal circumstances, thereby expanding all the problems and disputes that article, whether related to the material aspects of the human or moral person. Therefore, the recommendations of this study, with its attendant consequences, are directed mostly to the positive legislation, the legislative authorities and the state structures in its various institutions. Reform and settle disputes and family disputes and spread the culture of reconciliation and reform in the family.

Publié dans la revue: