الحياة العلمية في مصر من خلال رحاتي ابن رشيد الفهري و ابن بطوطة خلال العصر المملوكي 6
Résumé: ملخص مثلت الرحلة موضوعا ممتعاً وشيقاً لكثير من الرحالة وشكلت محور العديد من الكتب المعرفية، كما استقطبت اهتمام الكتاب الرحالة الذين وصفوا ما انتابهم من مشاعر وأحاسيس وعبروا عن ميولاتهم وانطباعاتهم الفكرية ، فاختلفت دوافع هؤلاء الرحالة في الإنسياح في البلاد الإسلامية المشرقية ، ومن أعظم الرحالة المسلمين الذين برزوا في هذا المجال الرحالة المغاربة الذين وصفوا مشاهداتهم وهم في طريقهم لتأدية الحج نهاية القرن السابع هجري، بداية القرن الثامن هجري، الموافق للثالث عشر الرابع عشر ميلادي، وحين عودتهم إلى أوطانهم يحدثون مواطنهم بأخبار تلك البلاد، وما شاهدوه فيها وما ارتسم في أذهانهم وانطبع في نفوسهم عن الأشخاص والأماكن التي مروا بها. ونجد من الأقاليم المشتركة في الزيارة لدى هؤلاء الرحالة المغاربة بلاد مصر فالمتأمل في جغرافية العالم الإسلامي، يجد أن هذه البلاد بمثابة حلقة وصل بين المغرب والمشرق، فلا مناص من زيارتها والاستفادة مما تتيحه للزائرين. وركزنا من خلال هذه المذكرة على نموذجين، النموذج الأول لابن رشيد أبي عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن ادريس سعيد بن مسعود بن حسين بن محمد بن عمر بن الفهري السبتي (ت721ه/1321م)، من خلال مؤلفه "ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة"، والنموذج الثاني ابن بطوطة أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي (ت 779ه/1368م)من خلال مؤلفه "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، فمن خلال النموذجين سنسلط الضوء على جانب مهم من الجوانب الحضارية، وهو الجانب العلمي الذي شكل ملمحاً هاماً من ملامح الرقي والازدهار في مصر خلال هذه الفترة. وتحقيقا لرغبة البحث كانت الرؤية أن يكون موضوع المذكرة حول: "الحياة العلمية في مصر من خلال رحلتي ابن رشيد الفهري ورحلة ابن بطوطة خلال العصر المملوكي"(648ه-923ه/1250م-1517م) فكان الدافع الأساسي للالتزام بهذه المذكرة هو نقص الدراسات أو الجهود التحليلية (وصفية-نقدية-مقارنة) ودراسة أهمية الرحلة في نفوس المغاربة لارتباطها بفريضة الحج، وكذلك من الأسباب التي دفعتنا لاختيار هذا الموضوع اعتباره موضوعا يجمع بين المشرق والمغرب في العصر الوسيط للإلمام بالحياة العلمية بمصر، فضلا عن الرغبة الشخصية في دراسة الرحلة العلمية. وتكمن أهمية الموضوع في أنه يعالج ويكشف مساهمة الرحالين المعنيين بدراستنا في الكشف عن الجانب العلمي والفكري في مصر من خلال فترة تواجدهما بها، معتمدين في ذلك على ما تضمنته رحلتاهما مستأنسين بالمصادر المصرية المتخصصة والمعاصرة لهما. فمن خلال هذه المذكرة أردنا الإجابة عن الإشكالية المتمثلة في ما مدى مساهمة الرحالتين ابن رشيد وابن بطوطة في التأريخ للحركة العلمية بمصر خلال العصر المملوكي؟ ويندرج تحت هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات الفرعية المتمثلة في: • كيف كانت الأوضاع العامة للمجتمع المصري من خلال رحلتي ابن رشيد وابن بطوطة؟ • ومن هو ابن رشيد وابن بطوطة؟ وفيما تتمثل الرحلة و ما هي دوافعها؟ • وهل استطاع الرحالتين أن يرصدا لنا المؤسسات العلمية في مصر من خلال رحلتيهما؟ وما مدى اهتمام ابن رشيد وابن بطوطة بلقاء العلماء في مصر؟ وللإجابة عن الإشكالية المطروحة تتبعنا منهجاً يقوم على الوصف، وتقوم عليه الدراسات التاريخية لاسترجاع الحوادث المراد دراستها، كما اعتمدنا على المنهج الإحصائي لإحصاء علماء مصر المترجم لهم في رحلة ابن رشيد والعلماء الذين جاء ذكرهم في رحلة ابن بطوطة، والوقوف على أعمالهم ومصنفاتهم بحكم أن الدراسة تقوم على هذه الفئة، إضافة إلى ذلك وضفنا المنهج النقدي التحليلي الذي يعتمد على جمع المادة ونقدها وتصحيحها، فهو مناسب لتحليل المعطيات والوصول إلى النتائج الصحيحة، فضلاً عن تتبع منهج المقارنة وذلك بالمقارنة بين الرحلتين. وبالنظر إلى طبيعة الموضوع والأهداف المرجوة منه وبناءً على الإشكالية والتساؤلات المطروحة، تضمنت الرسالة أربعة فصول فضلاً عن المقدمة والخاتمة والملاحق المساعدة، جاء في: الفصل التمهيدي (بيان أوضاع المجتمع المصري في العصر المملوكي من خلال رحلتي ابن رشيد وابن بطوطة) اشتمل على ثلاثة مباحث، جاء في المبحث الأول الأوضاع السياسية في مصر من خلال رحلة ابن رشيد وابن بطوطة، في حين تطرقنا في المبحث الثاني إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر من خلال رحلتي ابن رشيد وابن بطوطة، وتناول المبحث الثالث الأوضاع العلمية والدينية من خلال رحلتي ابن رشيد وابن بطوطة. أما الفصل الأول (ماهية الرحلة والتعريف بالرحالين ابن رشيد وابن بطوطة وسير رحلتهما) احتوى على ثلاث مباحث، تحدثنا في المبحث الأول عن تعريف الرحلة لغة واصطلاحا ودوافعها، أما المبحث الثاني التعريف بابن رشيد وابن بطوطة، أما المبحث الثالث فاشتمل على سير رحلة كل منهما. كما تطرقنا في الفصل الثاني (المؤسسات العلمية في مصر من خلال رحلتي ابن رشيد وابن بطوطة) احتوى على أربعة مباحث، فالأول تحت عنوان المساجد في مصر من خلال رحلة ابن رشيد وابن بطوطة، فالثاني بــــــــالمدارس في مصر من خلال رحلتي ابن رشيد وابن بطوطة، أما المبحث الثالث فعنوناه بـــ: الزوايا والرباط والخانقاه في مصر من خلال رحلتي هذين الأخيرين، في حين تطرقنا في المبحث الرابع العلماء وتوجهاتهم المذهبية من خلال رحلة ابن رشيد وابن بطوطة. وعرَّجنا في الفصل الثالث (المجالس العلمية في مصر من خلال رحلة ابن رشيد وابن بطوطة) بأربعة مباحث، ففي المبحث الأول عرضنا مجالس علوم القرءان من خلال رحلتي ابن رشيد وابن بطوطة واشتمل المبحث الثاني على مجالس علوم الحديث من خلال الرحلتين، أما المبحث الثالث فمجالس الأدب والشعر في مصر من خلال الرحلتين كذلك، المبحث الرابع: تحدثنا فيه عن مجالس أخرى (الزهد والتصوف) من خلال رحلتي ابن رشيد وابن بطوطة. وختمنا الموضوع بخاتمة تضمنت أهم النتائج المتوصل إليها والمرجوة من البحث ورافقناها بمجموعة من الملاحق التي تدعم الموضوع. استوجبت طبيعة الموضوع الرجوع إلى مصادر كثيرة ومتنوعة كنت بمثابة العون والسند نذكر أهمها: أولا: كتب الرحلات: وهي من أهم المصادر التي يستند عليها بحثنا وموضوع دراستنا "ملئ العيبة لما جمع لطول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة" لمؤلفه ابن رشيد السبتي الفهري عبد الله محمد بن عمر (ت721ه/.....1321م....م)، أحصى لنا مؤلفه الشيوخ الذين التقى بهم في الإسكندرية ومصر في مختلف العلوم، أفادنا مصنفه في الفصل الثاني من بحثنا المؤسسات العلمية في مصر من خلال رحلة ابن رشيد وتنوعها من مساجد ومدارس وزوايا، كما أفادنا في الفصل الثالث بأسماء الشيوخ الذين جالسهم ابن رشيد في مختلف العلوم والأخذ عنهم. رحلة ابن بطوطة المسماة "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" للرحالة محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي (ت779ه/1368م) احتوى على وصفه للبلدان التي قام بزيارتها، أفادنا ذلك في ذكر الأوضاع العامة للمجتمع المصري خلال العصر المملوكي، وفي فترة حكم الملك "الناصر محمد بن قلاوون" والذي كان سلطاناً، بالإضافة إلى أنه يؤدي دور القضاء للنظر في المظالم، فيبين ابن بطوطة من خلال رحلته ازدهار الأحوال الاقتصادية لبلاد مصر في ذلك العصر، إذ نشطت كل من الزراعة والصناعة والتجارة، أما عن الأوضاع الاجتماعية فيبين لنا ابن بطوطة طوال رحلته في مصر كيف كان الناس يكرمون بعضهم البعض، فضلا عن الحركة العلمية التي تشهد تعدد علمائها وتنوع منشآتها. ثانيا: كتب التراجم والطبقات: والتي تشكل القسم الأكبر والأهم لأنها احتوت في بطونها معلومات عن حيثيات البحث وجزئياته، ولا يخفى على الباحث والمطلع على مصادر التاريخ الإسلامي أن علم الرجال علم متشعب ومتعدد الأنواع والأصناف، فمن العلماء من جعل كتبه في التراجم كتباً عامة ومنهم من اختص بالتاريخ للقراء أو الفقهاء أو الأدباء، وغيرهم ومن أصناف كتب التراجم التي استفدنا منها في دراسة الحركة العلمية في مصر نذكر منها: "الوافي بالوفيات" لصلاح الدين خليل آيبك الصفدي (ت764ه/1363م) رتبه على الحروف الهجائية، أفادنا في ترجمة ابن رشيد وذكر مؤلفاته. "الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة" لشهاب الدين أحمد بن علي المعروف بابن حجر العسقلاني (ت852ه/1448م) يعد من الكتب الهامة في التراجم، رتبه على حروف المعجم، يحتوي على تراجم كثيرة لأعيان القرن الثامن هجري الموافق للرابع عشر ميلادي من حكام وأمراء وكتاب، أفادنا في الوقوف على حياة ابن رشيد العلمية، كما ترجم لابن بطوطة ثالثا: المصادر المتخصصة في المؤسسات العلمية نذكر منها: "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" للمقريزي أبي العباس (ت845ه/1441م) ويعتبر أهم مصدر في تاريخ مصر خلال العصر المملوكي لما تضمنه من معلومات كثيرة ودقيقة عن المؤسسات العلمية بها، وتنوعها من مساجد ومدارس فكانت مادته الغزيرة خير مورد لنا للتعرف على مراكز العلم والتي نشط فيها مالكية حقبة الدراسة. "الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد" للشيخ جمال الدين بن الفضل (ت748ه/1347م) وهو كتاب خصه مؤلفه بالنهضة العلمية في الصعيد، والمتمثلة في مدارسها في قوص وآسنا وأسوان، وغيرها من بلدان الإقليم، وهي نهضة لا تقل عما كان يدور في مصر والقاهرة، وغنيمتنا منه في ذكر الزوايا التي انتشرت في مصر زمن المماليك. "الروضة البهية في خطط المعزية القاهرة" لابن عبد القادر محي الدين أبو الفضل عبد الله (ت692ه/1292م) استفدنا منه في التعرف على مؤسسات مصر –المدارس-. الرسائل العلمية: • "إسهامات المالكية في الحياة العلمية في مصر والشام خلال العصر المملوكي" للدكتور فوزي رمضاني اختصه صاحبه مالكية ذلك العصر ونشاطهم في الحياة العلمية، اعتمدنا من خلاله على كيفية سير منهجية البحث العلمي. • "الرحلة العلمية للمغاربة إلى المشرق من القرن الأول الهجري إلى السادس هجري (السابع ميلادي إلى الثامن ميلادي)" للطالبة عطابلية شيماء ودرارجة رانيا، تحدثا فيه عن توجه الرحالة المغاربة نحو المشرق من أجل طلب العلم، أفادتنا الرسالة في التعريف بالرحلة وذكر بعض فوائدها. أماّ المجلات: نذكر منها: "الحياة العلمية والثقافية في مدينة الإسكندرية أواخر القرن السابع الهجري في ضوء رحلة ابن رشيد السبتي" لـــــ: سمير حامد محمد عبد الرحيم، أفادنا في ذكر مؤلفات ابن رشيد. كما لا تخلوا أي دراسة من صعوبات أذكر أبرزها: صعوبة الحصول على المصادر المتخصصة في ترجمة ابن بطوطة رغم توفرها. يتضح لنا من كل ما سبق ذكره أن الحياة العلمية في مصر من خلال رحلتي ابن بطوطة وابن رشيد الفهري في العصر المملوكي، أنه لم يقتصر ذكر الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر من خلال رحلة ابن رشيد الفهري، في حين أن الرحالة ابن بطوطة نستطيع أن نقول أنه أسدى إلى تاريخ بلاد مصر معلومات هامة ومفيدة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد كان أبرعُ ما في رحلته وأروعها حديثه عن أمراء مصر وسلاطينها في فترة حكم دولة المماليك البحرية، وفي فترة حكم ملك من أعظم ملوكها الناصر محمد بن قلاوون، وفي الفترة الثالثة من حكمه عام 709ه-741ه فيمثل ذلك العصر أعظم عصور التاريخ المصري زمن المماليك وأكثرها ازدهاراً ورقياً واستقراراً. ، فتشير المصادر التاريخية أن مصر تشهد طبقات اجتماعية، إلا أن رحلة ابن بطوطة نلاحظ كيف كانت الأمة الإسلامية تجتهد لإزالة الفوارق وتحقيق المثل الأعلى الإسلامي ، يربط بين أفرادها رباط المودة الإنسانية، وكيف كان الناس يكرمون بعضهم بعضاً بروابط العمل. أما عن الأوضاع العلمية والدينية في مصر، فقد اهتما الرحالة ابن رشيد وابن بطوطة بهذا الجانب فكانت الأوضاع العلمية خصوصاً نهاية القرن السابع هجري وبداية القرن الثامن هجري من أزهى العصور علمياً وثقافياً بعد القرن الثالث هجري، ذلك أن هذا العصر قد امتاز بكثرة العلماء الذين أنتجتهم الأمة الإسلامية في ذلك الوقت تاركين للأجيال القادمة تراثاً ضخماً في شتى فنون المعرفة، كما أن مصر على وجه الخصوص أصبحت محور النشاط العلمي ذلك أن إحياء الخلافة العباسية في مصر على أيدي المماليك هيأ القاهرة لأن ترث بغداد أو أن تصبح مركزاً للنشاط العلمي والديني للعالم الإسلامي، ومما يدل على ازدهار النشاط العلمي هو تشجيع سلاطين المماليك للعلم وترحيبهم بالعلماء، لذا فقد أكثر المماليك من بناء المساجد والمدارس والربط والخوانق، لتكون قبلة للعلماء وطلاب العلم، ينهلون منها العلم في شتى ميادين المعرفة وهذا ما بينه ابن رشيد في رحلته تنوع وتعدد المنشآت الدينية، أما عن رحلة ابن بطوطة فكان سطحيا في إيراد المعلومات عنها، فكان يتحدث عن المساجد والمدارس بكثرها وتنوعها في كل مدينة من مدن مصر، حيث لم تتسم الدقة في ذكر أسماء هذه المساجد والمدارس وعدم إيراد تواريخ هذه الأحداث والأوضاع لما يترتب عن ذلك من التسلسل التاريخي الذي يفرضه البحث العلمي. أما عن الأوضاع الدينية في مصر خلال العصر المملوكي أن أهم ظاهرة اتصفت بها الحياة الدينية في عصر المماليك هي التصوف، فقد آمنوا بالصوفية إيماناً راسخاً، وهذا ما رأيناه في رحلة ابن رشيد بلقائه ومجالسة الزهاد والعباد من الصوفية، كما شدّ ابن بطوطة في رحلته تعصبه للصوفية، وعلو نفوذهم في دولة الناصر محمد بن قلاوون، وذلك بقوله: "أن الملك الناصر محمد بن قلاوون افتتح سنة 725ه خانقاه بسريا قوس، وجعلها أكبر الخوانق وأقام احتفالا بهيجاً في افتتاحها، فأراد ابن بطوطة من خلال ذلك تبيان اهتمام سلاطين المماليك البحرية بالصوفية والترحيب بهم، ضف إلى ذلك أن الحياة الدينية في المشرق كانت أكثر تعقداً وتشابكاً، فقد كانت تتصارع فيه الطوائف والفرق المتعددة الأهواء، نلاحظ ذلك في رحلة ابن رشيد الفهري تضارب وتنازع تلك التيارات بين مذهب المالكية والشافعية، وكيف أن ابن دقيق العيد يلزم نفسه بالاحتجاج لكل صاحب مذهب بما يراه من أجل الخروج من الخلاف، وفي رحلة ابن بطوطة في ترتيب المذاهب ومن أعلاهم منزلة في الجلوس، فالملك الناصر محمد بن قلاوون رحمه الله الذي كان يقعد في النظر في المظالم ورفع قصص المشتكين كل يوم إثنين وخميس، يجلس القضاة الأربعة عن يساره وتقرأ القصص بين يديه أن يكون أعلاهم منزلة في الجلوس هو قاضي الشافعية ثم قاضي الحنفية، ثم قاضي المالكية، ثم الحنبلية. فالرحلة التي تعني في المفهوم اللغوي التنقل والسفر لا يتعدى المفهوم الاصطلاحي عنه والتي تعني الحركة والارتحال من مكان إلى آخر، كما تعددت الأسباب واختلفت دوافع الرحلة من المغرب الإسلامي إلى المشرق بالنسبة للرحالة، فكانت إلى الحج، من أبرز دوافعها، أما الرحلة لطلب العلم كان الهدف منها لقاء المشايخ والأخذ منهم في مختلف العلوم فأصبح الرحالة يدونون مشاهداتهم، وبرعوا في مجال تأليف مصنفات لوصف مزاراتهم فكانت للرحلة دور في التواصل والتبادل الفكري والثقافي وتوطيد العلاقات مع المشرق الإسلامي، على غرار ابن بطوطة أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن يوسف الطنجي ولد بطنجة 703ه/1304م ، فلم يحدد تاريخ دخوله إلى مصر، إذ كان دافعه للرحلة واهتماماته هو الحج، يُحدثنا عن ذلك في مطلع رحلته بقوله: "وكان خروجي من طنجة مسقط رأسي يوم الخميس الثاني من شهر رجب عام خمسة وعشرون وسبعة مائة معتمداً حج بيت الله وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، منفرد عن رفيق آنس بصحبته، وركب أكون في جملة لباعث عن النفس، شديد العزائم، وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة" فقد كان دافع ابن بطوطة هو الرغبة في آداء فريضة الحج والشوق إلى رؤية الدنيا، إلا أننا نضيف إلى ذلك وراء هذا الدافع شوق آخر شديد إلى المعرفة، ونلاحظ ذلك على طول رحلته، فكان يلتقي العباد والزهاد وأصحاب الكرامات، لأن رحلة ابن بطوطة رحلة دينية أو كرامانية إن صح التعبير، فقد كان يقصد أولياء الله تعالى في مصر مؤمن يثق في الأولياء فيلتمسهم، ليسألهم البركات. إذن فالرحلة هي جسر تواصل مع الآخر ووسيلة لتحقيق التفاعل الثقافي والحضاري بين المغرب والمشرق لما تحمله من نتاج فكري مشحون بفكرة الاحتكاك، فقد ذكر ابن خلدون أهمية الرحلة وأهدافها في كتابه بقوله: "الرحلة لابد منها في طلب العلم لاكتساب الفوائد والكمال بلقاء المشايخ ومباشرة الرجال...فلقاء أهل العلم والعلوم وتعدد المشايخ بغية في تمييز الاصطلاحات" وهـكذا لعبت الرحلة دورها التاريخي الهام في الكشف الجغرافي والحضاري على حد سواء.
Mots-clès:
Nos services universitaires et académiques
Thèses-Algérie vous propose ses divers services d’édition: mise en page, révision, correction, traduction, analyse du plagiat, ainsi que la réalisation des supports graphiques et de présentation (Slideshows).
Obtenez dès à présent et en toute facilité votre devis gratuit et une estimation de la durée de réalisation et bénéficiez d'une qualité de travail irréprochable et d'un temps de livraison imbattable!