بنية السرد في قصة حي بن يقظان لابن طفيل
Résumé: إنّ ابن طفيل وفي ظل فلسفته العميقة، وتفكيره السّليم الخصب، و أدبه الرّفيع الأنيق، أعطانا نتاج تجربته وحصاد تفكيره في ثوب قصة رائدة أسماها "حي بن يقظان" كما أنّها تُعرف كذلك باسم " أسرار الحكمة الإشراقية "، وفي الحق إنّ القصة تُرجمان أمين لعنوانها، لأنّ الهدف منها هو الوصول إلى معرفة الخالق والإيمان به أو على حد التعابير الصوفية، الوصول إلى الإتحاد بالله وإلى حالة من البهجة والمكاشفة. ولأنّ العمل الأدبي لا يأتي من فراغ ولا يخرج من العدم، بل إنّه يخرج من وجود إلى وجود، مستدعيا مجموعة من القراءات مؤثراً على القُرَّاء، جاعلاً إيّاهم يتفاعلون معه بشكل ما، راسما بذلك مصيرًا انتظاريا لدى هؤلاء القرّاء، فهو إمّا عمل يحافظ على المعايير والقيم الموجودة سابقا، أو أنّه عمل ناجح يستطيع تغيير فكر الذائقة المتلقية مُشكِّلا بدوره أفق انتظار جديد. لذا وبعد دراسة القصة والتي اخترناها من التراث وفق منهج من المناهج المعاصرة أي المزاوجة بين القديم والحديث، توصلنا إلى جملة من النتائج، نحاول صياغتها في النقاط التالية : لقد نالت هذه القصة التي كتبها ابن طفيل ما هي جديرة به من ذيوع وتقدير، فهي في تفصيلاتها تجربة كبيرة رائدة، رائعة، قائمة على التحليل الدقيق ملتزمة بأسباب المنطق، كل مقدمة صغيرة فيها تنتهي إلى نتيجة. هذه القصة متأثرة كل التأثير بشخصيّة صاحبها، شأن كل قصة فابن طفيل فيلسوف، ولذلك غلبت الصفة الفلسفية على جزئيات القصة، وهو سليم العقيدة ومن ثم فقد كانت قصته طريقا مقنعا للتوصل إلى معرفة الخالق، وهو طبيب، لذلك توصل إلى القلب فالروح عن طريق التشريح، وهو فلكي، ومن ثم فقد عني بالسماء والكواكب والنجوم والأجرام السّماوية، ثم هو بعد ذلك أديب، الأمر الذي مكنّه من أن يصوغ قصته صياغة فنيّة، وأن يصبَّها بأسلوب سلسٍ رقيق يُعجب الفلاسفة ويَرضى عنه الأدباء، لذا : فالراوي في هذه القصة ما هو إلَّا شخص ابن طفيل ، رغم كونه خارج الحدث إلاّ أنّه مركزي التأثير بيديه كل خيوط القصة بفعل رؤيته المجاوزة وتحكمِه بمجريات الأحداث فقد كان عليمًا بكل شيء، فهو يعلم أشياء أكبر من إمكانيات الشخصيات التي يرسمها، ورؤيته أوسع من رؤيتها. أمّا فيما يخص المروي (القصة)فنجد ابن طفيل قد لجأ لاستخدام الرمز وبالتالي التكتّم لسببين هما: قصور وسائل التعبير والخوف من كشف إشراقيته، في عصر كانت تحرق فيه الكتب و تنزل بالعلماء النوازل دون أن تعرف العامة حقيقة ما يجري في عالم فكري يتصف بالغرابة, لذا اتّصفت أفكاره بطابع سّري وهذه الخاصية لم تكن مقتصرة على ابن طفيل ولا على الإشراقيين إنّما كانت شائعة في كثير من الأوساط فتبنتها بعض الفرق الدينية والكلامية ولجأ إليها الكثير من المتصوفة والمفكرين. منهج بروب الوظائفي يرتكز على الملامح البنيوية الثابتة التي تتكرر أشكالها في الخرافات على الرغم من تنوع الملامح الخاصة وتغيير الشّخصيات وأوصافها، وكذلك عناصر التحفيز التي تسبق الأفعال: وإذا عدنا للخرافة بصفة عامة الرُّوسية أو العربيّة، نجد ثمة تشابهًا في الطّرح الحكائي، وهذا إنْ دلّ إنّما يدل على تلاقح الحضارات الإنسانيّة ودليل على وجود نظام عام يحكم التفكير الإنساني وبالتالي لا بأس من تطبيق المنهج على القصة الصوفية مع العلم أنّ الدراسة كانت ممكنة على الشّعر. القصة تبتدئ بوضع أولي يهيئ ذهنية القارئ (المتلقي) للوظائف التي سيقوم بها البطل وتجعله يشارك في أحداث القصة راسما لها نهاية كما أن القصة تمر بنفس المراحل التي أوجدها بريمون . أما بالنسبة للوظائف الواحد والثلاثين، فلم تكن حاضرة كلها بل احتوت القصة على بعضها ممثلة في: الابتعاد، الامتحان، استلام الأداة السّحرية، الرّحيل، إنجاز المهمة مع العلم أنّ لكل وظيفة أهميتها ودلالتها. وبالتالي إن كنّا نستطيع أن نسّمي قصة عجيبة – من وجهة النّظر المورفولوجية – كل قصة تبدأ من إساءة لتمر بالوظائف الوسيطة وتنتهي بالزواج أو مكافأة.....فإنّنا نستطيع أن نطلق على قصتنا قصة عجيبة. الشخصية الحكائية "حي" هي شخصية تخييلية، أوجدها ابن طفيل ولم يحدد لها صفات معينة، أطلق عليها اسم "حي بن يقظان"و الحي اسم من أسماء الله الحسنى واليقظة إحدى صفاته،وذلك من أجل جعل هذه الشّخصية قدوة لكل قارئ . حسب تصنيف غريماس السداسي نتوصل إلى أنّ الذات هي "حي بن يقظان" موضوعه أو رسالته إثبات وحدانية الله، أرسل إلى سكان الجزيرة بمساعدة قوة الحجة والإيمان وأبسال لهداية نفوسهم البشرية. لقد تعامل ابن طفيل مع الزمن تعاملا فنيا جماليا، إذ لا يمكنه أن يُقدم كل مجريات الأحداث مرة واحدة في نص حكائي – نستطيع أن نقول عنه إنّه قصير- خاصة وأنه يقدم أحداثا على مساحة واسعة من الزمن – من مولد حي ،حتى جاوز الخمسين سنة – لهذا فقد عمد إلى إسقاط الكثير من المساحات الزمنية وكذلك القفز إلى الأمام لإيصال الحدث المعني بإيصاله تاركاً ما لا يفيد النّص من أحداث. ومثل هذا الإجراء له مبرراته الفنيّة السردية والجمالية. لذا نجد النص قد احتوى التقنيات الأربع غير أنّ المشهد الحواري الصريح أين يتساوى زمن القص مع زمن الوقائع لم يكن حاضرا في القصة. أما بالنسبة للتواتر فقد كان هو الآخر حاضرا في القصة حيث عمد ابن طفيل له في عدة مواقع أثناء سرده لبعض الأحداث. إنّ رسالة ابن طفيل بهذا التفرّد والتّنوع الذي تتضمنه، تضع أمام قارئها أكثر من تحدٍ في الفهم والمقاربة. فهل يستطيع أحد يوما أن يكشف عن المقاصد الحقيقية لهذا العمل الفريد ؟ أم أنّ الرسالة قدر لها أن تظل موضع تأويلات لامتناهية ؟ هذا ما تيسر لي إعداده، أرجو من المولى عزّ و جلّ أن أكون قد أفدت و لو بالقدر القليل. واللـه المستعـان.
Mots-clès:
Nos services universitaires et académiques
Thèses-Algérie vous propose ses divers services d’édition: mise en page, révision, correction, traduction, analyse du plagiat, ainsi que la réalisation des supports graphiques et de présentation (Slideshows).
Obtenez dès à présent et en toute facilité votre devis gratuit et une estimation de la durée de réalisation et bénéficiez d'une qualité de travail irréprochable et d'un temps de livraison imbattable!


