الانتقال الديمقراطي في تونس 2011 - 2015 دراسة تقييمية

Résumé: يظهر جليا ان نظام حكم بن علي اتسم بالدكتاتورية والتسلط رغم خطابه المنمق والمختلف تماما عن الواقع المعاش للمواطن التوتسي، الذي كان يعيش ضمن منظومة حكم تسيطر عليه ليلى الطرابلسي وعائلتها ومقربيها، الذين سيطروا على مفاصل الاقتصاد التونسي وأداروا شركات وهمية بغية نهب المال العام إلى آخر يوم في نظام بن علي. إن الأسباب التي جعلت من الشارع التونسي يثور ليست الخبر والماء كما يتصور البعض ولكن الشارع التونسي، ثار ضد كل أنواع الفساد السياسي وشمولية الحكم وتزوير الانتخابات التي أفرزت صناديقها رئيسا واحدا طيلة 23 سنة، إلى غاية 2011 م. ثار الشعب التونسي لمحاربة مافيا الاقتصاد وسطوة عائلة بن علي وزوجته على مدخرات البلاد بواسطة ترسانة من القوانين التي تخدم الاسرة الحاكمة وتحرم الشعب من المساهمة والاستفادة من خيرات البلاد ومن الجهوية المقيتة التي مارسها رموز نظام المخلوع وجراء هذه السياسات الفاشلة، عانى الشباب من البطالة والتهميش، خاصة فئة الجامعيين والمثقفين، ولم يكن محمد البوعزيزي إلا واحد منهم . إن الحرمان من ضروريات الحياة التي كان يعيشها الشعب التونسي، أثرت تأثيرا بالغا على تركيبة المجتمع الواحد وهو يعيش التوزيع غير العادل للثروات والتنمية بين مدن الجنوب وشماله، خاصة بعد ربط الاقتصاد التونسي بالإتحاد الاوربي الذي نجم عنه عدم قدرة المنافسة وهو ما أحدث مشاكل بالجملة للمؤسسات الاقتصادية . ولهذا فحادثة محمد البوعزيزي ، فجرت احتجاجات ضد كل سياسات نظام بن علي وعائلته فبدأت بالمطالبة بحق التشغيل وتحسين الظروف الاجتماعية وتطورت إلى إسقاط النظام القائم . إن الثورة لم تتخذ علامة أو شارة رمزية تحيل إلى انتماء اجتماعي أو أيديولوجي محدد، فشعاراتها كانت تتمثل في : الحق في العمل، والحرية، والديمقراطية، والعدل ، والكرامة. كما أن أهدافها لم تتضمن أي برنامج يمكن أن يحدث انقسامات داخل المحتجّين؛ ممّا خلق، وبشكل يكاد يكون استثنائيا، لحمة بين الجميع تكتلت تحت راية اسم الشعب يريد إسقاط النظام . وبالمقارنة مع المسارات الانتقالية التي تسلكها بقية بلدان الربيع العربي، قطعت تونس الأشواط الأكثر تعقيدا وأنها في طريقها إلى تحقيق سبق عربي في ترسيخ قواعد النظام الديمقراطي كما سبقت في تفجير أولى ثورات الربيع العربي، بامتلاكها كل المقومات لتحقيق هذا الإنجاز التاريخي، وقد سلكت إلى ذلك طريقا سليما في خطه العام. فالمسار السياسي الذي بدأ بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي وإقامة المؤسسات الانتقالية أفضي إلى كتابة دستور جديد للبلاد، وتنظيم أول انتخابات رئاسية وتشريعية طوت صفحة المرحلة الانتقالية، وانتقلت تونس بذلك إلى وضع جديد تغيرت فيه قواعد اللعبة السياسية عما كانت عليه منذ أن استقلت . ورغم الازمات التي تعرضت لها البلاد بعد الثورة ، وكثرة التجاذبات في صفوف النخبة السياسية وبخاصة بين الإسلاميين والعلمانيين إلا أن هذه النخبة كانت قادرة بدرجة كبيرة على تجاوز خلافاتها وتسيير المرحلة الإنتقالية بنجاح، فالثورة التونسية اجتازت مرحلة الخطر بقدر من السلاسة ودخلت مرحلة التوافق الوطني بعيدا عن الفوضى والاضطرابات الشاملة، واستطاعت النخبة السياسية التونسية التوافق في ما بينها على مرحلة الانتقال الديمقراطي وهو ما أنتج انتخابات حرة ونزيهة أفرزت حكومة ائتلاف وطني. وقد أشادت دول ومنظمات دولية بنجاح الثورة في تونس وبتجربة الانتقال الديمقراطي وكان حصول رباعي الحوار التونسي على جائزة نوبل للسلام خير دليل على النجاح والإعجاب بالثورة ومسارها . أنّ ما قدمته الثورة التونسية يعد تحديا كبيرا لكثير من المسلّمات التي تداولتها النخب الأكاديمية والسياسية في العقود القليلة الماضية، مثل عدم قابلية المجتمعات العربية للديمقراطية، وقدرة الأنظمة الدائمة على البقاء، وحتمية الارتهان لموازين القوى الدولية في التحوّل الديمقراطي، وضرورة الانتقال التدريجي والهادئ والموزون والمتزن نحو الديمقراطية .

Publié dans la revue: