المنهج الأصولي عند اٌلإمام الغزالي من خلال كتاب المستصفى من علم الأصول

Résumé: علوم الدين من أولى العلوم وأفضلها التي ينبغي تحصيلها ، والتي بها تُنال سعادة الدنيا والآخرة، وبنورها نهتدي من ظلمات الغواية إلى سبيل الرشاد. وقد أيد الله بالعلماء معالم الدين، ويسّر عليهم الكشف عن دقائقه وأسراره، فكان من أهم هذه العلوم وأشرفها، وأحرى ماتُصرف إليه الدواعي، هو علم أصول الفقه، العلم الذي يُعتبر من أصعب مدارك العلوم، وأدقّها مسلكا، فبه تُعرف طرق استنباط الأحكام العملية من أدلتها التفصيلية، وبه تَتبيّن معاقد الحلال والحرام، وهو من العلوم المهمة التي تمسّ الحاجة إلى تعلمها في عصرنا الحاضر؛ لبيان أحكام النوازل المستجدة في جميع المجالات. ولقد كان هذا العلم في مقدمة الفنون التي اعتنى بها العلماء في كل زمان ومكان؛ لذلك توافرت جهود العلماء على تطويره والتأليف فيه، وتعدّدت كتبه بتعدد المذاهب الفقهية، إذ أصبح لكل إماِم مذهبٍ من المذاهب مداركه في الاستنباط، ونواحي الاجتهاد لديه، في كل مسألة أو قضية أصولية. ومن أبرز العلماء الذين انبروا لهذا العلم، وكانت له قدم راسخة فيه،بل كان جامعا لأشتات العلوم والفنون، الإمام أبو حامد الغزالي. فبعد أن منّ الله عليّ بالدراسات العليا، والاستعانة به - سبحانه –عزمت على الكتابة في آراء هذا العالم النحرير، الذي هو من أكابر علماء هذا الفن،ووسمت بحثي: المنهج الأصولي عندالإمام الغزالي من خلال كتابه "المستصفى من علم الأصول". أسباب اختيار الموضوع: نهزني إلى اختيار الموضوع جملة من المبررات أهمها :  وصية الباحث عزيز محمد علي ناجي في ختام رسالته للماجستير مخالفات الامام الغزالي الأصولية للإمام الشافعي من خلال كتابه المستصفى بأن تجرى دراسة تحليلية تاريخية أصولية عن الفكر الأصولي للإمام الغزالي .  الوقوف على منهج الامام الغزالي في أصول الفقه.  إبراز أهم معالم هذا المنهج.  إظهار أثره فيمن جاء بعده.  كون كتاب المستصفى أحد أبرز المؤلفات المعتمدة في أول الفقه كما أشار إلى ذلك كثير من العلماء منهم ابن خلدون في المقدمة . الإشكالية عُرف الغزالي في المقام الأول بالفلسفة وعلم الكلام، ثم بالتصوف والتربية وكتبه في هذا المجال طبعت مرات عديدة في حين لم تظفر كتبه الأصولية ومثلها الفقهية بالقدر نفسه، فلم يكن الغزالي الفقيه إلا جزءا يسيرا من الدراسات والبحث، وافتقد الغزالي الأصولي بين تلك الدراسات إلا نادرا ، فأردت أن أجلي هذا الوجه الآخر للغزالي الأصولي {الغزالي أصوليا} في كتابه المستصفى كونه آخر كتبه الأصولية والتي نضج فيها علميا وانتهى من كتابته قبل وفاته  فما هي أهم مؤلفاته الأصولية وما هي قيمتها العلمية في الدرس الأصولي ؟  وما هو منهجه الأصولي في كتابه المستصفى كونه آخر كتبه الأصولية ؟  وكيف تعامل مع أراء علماء الأصول عرضا واستدلالا؟، وكيف ناقش المخالفين له في الرأي؟ ، وما منهجه في الترجيح بين هذه الأراء؟  وما هي أهم معالم هذا المنهج وأثره فيمن جاء بعده من العلماء ؟ مصادر البحث : أفدت من مصادر ومراجع متعددة وأهمها : مؤلفات الغزالي المنخول وأساس القياس، وشفاء الغليل، والمستصفى بطبعاته المختلفة وكتب الأصول للقدامى و منها التقريب والارشاد الصغير للباقلاني والبرهان في أصول الفقه للجويني والمعتمد لأبي الحسين البصري والعمد للقاضي عبد الجبار ومنها للمتأخرين ممن جاء بعد الغزالي وللمحدثين وغيرها من المراجع. منهج الدراسة: اتبعت في هذه الأطروحة المنهج الوصفي التحليلي الذي يتناسب ونوع الدراسة مستعينا بأداة الاستقراء في مضامين الكتاب ومتتبعا لأقواله وأرائه وردوده لمحاولة الوقوف على معالم المنهج الأصولي عند أبي حامد الغزالي. خطــة الدراسة : اقتضت طبيعة المادة العلمية أن توزع على مقدمة ومدخل وخمسة فصول وخاتمة المدخل: خصصته لترجمة الإمام أبي حامد الغزالي في ثمانية مطالب تناولت للتعريف به من نسب وكنية ولقب ونسبة ولادة ونشأة و حياته العلمية و طلبه للعلم وارتحاله من أجله وذكر أهم شيوخه وتلاميذه، ثمّ عصره وتراثه العلمي وعقيدته ووفاته وأخيرا مكانته العلمية. أما الفصل الأول فعنونته ب: الكتب الأصولية للغزالي قبل المستصفـى وهي: المنخول من علم الأصول وشفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل، وأساس القياس تناولتها في ثلاثة مباحث مركّزا على توصيف الكتاب بتحديد نسبته للمؤلف ومحتواه ثم قيمته العلمية. وجاء الفصل الثاني موسوما توصيف المستصفى من علم الأصول والتعريف بالمنهج الأصولي ،حصرت التوصيف في المبحث الأول بتحقيق اسم الكتاب ونسبته للغزالي وأهم طبعاته، ثم من ذكروه في مصنفاتهم من العلماء وسبب تأليفه ثم فصلت في محتواه بوصف الأقطاب الواردة فيه مع القيمة العلمية له ، وأهم شراحه ومختصريه واعتناء المالكية به على وجه الخصوص، والموازنة في نقاط محدودة بين المنخول وبين المستصفى ، والمبحث الثاني خُصّص للمنهج الأصولي حيث عرفته لغة واصطلاحا وأهم من ألّف فيه، ثم حاولت ضبط أهم معالمه . وسيق الفصل الثالث لبيان منهج الغزالي في عرض آراء الأصوليين والاستدلال عليها ، توزعت مادته على ثلاثة مباحث ، الأول منها تعرضت فيه لمنهجه في عرض الآراء بطريقتين خاصّة وعامّة، وثانيها كان لمنهجه في الاستدلال على هذه الآراء بالأدلة المتفق عليها من الكتاب والسنة والإجماع والقياس والأدلة المختلف فيها من مصلحة مرسلة واستصحاب وسد للذرائع والاستحسان ، وثالثها أوردت فيه كيفية تعامله مع الدلالات وإعمالها في فهم الأراء. وخصص الفصل الرابع لمنهجه في مناقشة آراء الأصوليين والترجيح بينها وُزّعت مادته على مبحثين أولهما: منهجه الخاص في مناقشة الآراء وتحرير محل النزاع ومنهجه العام الذي سلكه في هذه المناقشات وأهم ملامحه وثانيهما منهجه في الترجيح بين الآراء ومحاولة حصر أهم ملامح هذا الترجيح . وخصصت الفصل الخامس لتعامل الغزالي مع مقاصد الشريعة في المستصفى وجاءت مادته في أربعة مباحث ،الأول منها لماهية المقاصد عند الغزالي ، والثاني لدراسة أهم المصطلحات التي تتعاور والمقاصد ومدى اهتمام الغزالي بها، والثالث لتجلية مسالك الكشف عن المقاصد ،وسيق المبحث الرابع لتقسيمات المقاصد عند الغزالي مع تحديد بعض القواعد المقاصدية . وخاتمة سجلت فيها أهم النتائج المتوصل إليها إنّ عملي هذا ما هو إلاّ جهد المقلّ فما كان فيه من توفيق فمن الله وحده وهو صاحب الفضل والمنة، وما كان فيه من نقص وتقصير فهو مني وحسبي أّني اجتهدت ولكن الكمال لذي العزة والجلال،والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل وصلى الله على سيدنا محمد على آله وصحبه وسلم تسليما.

Publié dans la revue: